الترجمة.. جسرُ المعرفة
الكاتب: أ. بدور بنت عبدالعزيز الفالح
محاضر في قسم الترجمة
كلية اللغات
تُستسقى الآراء والمعلومات والثقافات من وسائل الإعلام المُختلفة؛ من صحفٍ ونشرات أخبارٍ وجلساتٍ حوارية وتحليلية، ومن المُتيقن أنّ تلك المعارف تُستجلب من مُختلفِ اللغات، وهذا يتطلبُ جهودًا مضنية يقومُ عليها مترجمون محترفونَ قادرون على نقلِ تلكم المعلومات بمصداقيةٍ، وهؤلاءِ بظنّي أنّهم الجند المجهولون؛ إذ هم وراء استحضار تلكم المعلومات ونقلها؛ يمدّون جسور المعرفة عبر "الترجمة" التي تُعرَّف بأنها عملية نقل المحتوى المكتوب أو المرئيّ أو المسموع من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، إلا أنني أُحبّذ أن تُعرَّف إبداعيًا بالعملية التي نَتعرفُ من خلالها على الحراكِ العالميّ؛ سواءٌ أكان سياسيًّا أم عسكريًّا أم اقتصاديًّا أم نفسيًا أم علميًا؛ ذلك أنّ الترجمة هي التي تُصدّر العلوم وتستوردها، وهذه المهنة من المِهَن الموغلةِ في القِدَم؛ إذ نشأت مع نشأة الأجناس المُختلفة ومختفي الألسن، وأقتبسُ هُنا من مقالٍ نُشِرَ يوم السبت 1 أكتوبر 2022م بجريدة الرياض للدكتورة فادية بنت عبدالله الشهري؛ حيثُ أشارت إلى أنّ "الترجمة أحد أقدم الفنون التي مارسها الإنسان عبر العصور، وهي ممارسة فطرية عملية تُشبه غيرها من الممارسات البشرية كالتجارة والسياسة والتربية والموسيقى، التي بدأت عبر التجربة والخبرات المتراكمة، قبل أن تتطور مفاهيمها ومصطلحاتها النظرية وتصبح مجالاً للبحث والدراسة"، وهذا ما هوَ كائنٌ في عصرنا؛ حيثُ إنّ العالم أشبه ما يكون بقريةٍ صغيرةٍ؛ إلا أنّهم مختلفو الألسن، وأصبحَ لِزامًا أن يكون هناك وسيطٌ معرفيّ إن صحَّ التعبير، ولأهمية ذلك الوسيط؛ أُطلِقت الجوائز لتزيدَ من الدافعية بين العاملين في مجالها؛ ومن ذلك "جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة" التي أطلقتها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في العام 2006م، وهي جائزة تقديرية عالمية تمنح كل عامين للأعمال المتميزة والجهود البارزة التي ساهمت في تجسير التواصل المعرفيّ والحوار الثقافيّ البنّاء، ومن الجدير بالذكر أن ثلاثة مترجمين سعوديين حصدوا جوائز في الدورة العاشرة من الجائزة؛ مما يؤكّد تميّز المُترجم السعوديّ وانفتاحه على الثقافات واطّلاعه على المؤلفات العالمية. ومما يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- من اهتمامٍ في هذا المجال؛ إطلاق جائزة الملك سلمان لبحوث ودراسات تاريخ شبه الجزيرة العربية؛ التي خُصص أحد فروعها للترجمة. وقد لاقت الترجمة العناية المُستحقّة من جامعاتنا السعودية، وذلك من خلال كلياتها ومعاهدها ومراكزها، وما الفعاليات والأنشطة والمؤتمرات والندوات التي تُقام في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بمجال الترجمة إلا أنموذجًا على ما تحظى به الترجمة، كما أن حصول طالباتها على مراكز متقدّمة في مسابقات الترجمة؛ يُبرز بجلاء متانة هذا القسم وحرصه على تطوير مهارات طالباته، ومن ذلك تجهيز المعامل بأحدث البرمجيات التي يتطلبها تعلّم الترجمة؛ التي تحرص الجامعة كل الحرص على توفيرها؛ ليكونَ المُخرج وِفقَ المُبتغى؛ ليُسمهن -بإذن الله- بترجمة ما تشهده بلادنا من حراكٍ ثقافيّ ومشروعاتٍ ذات بصمة تاريخية واجتماعية إلى مُختلفِ اللغات؛ ليكونَ هناك جسورٌ معرفية بين ما تشهدهُ بلادنا من تطورٍ ونهضة غير مسبوقة وبين الناطقين بغيرِ لغتنا الجميلة.